Admin الأحد نوفمبر 28, 2010 7:46 am
بإسم الله الرحمان الرحيم السلام عليكم أيها النبي و رحمة الله و بركته
سلسلة التعريف بأعلام الجزائر
أبو مدين شعيب بن حسين الأنصاري
المعروف بـ" سيدي بومدين"
(520 ـ 594 هـ)
منزلته و أصوله العلمية ونبذة من حياته
الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
لأسباب كثيرة بعضها معروف وبعضها الآخر مجهول، على الأقل لا يعرفه إلاّ قلّة من الباحثين، يجهل كثير من إخواننا أبناء المشرق، وحتى بعض أبناء المغرب سير وتراجم بعض العلماء المرموقين، وأهل الصلاح والمعرفة من أبناء الجزائر، أو ممن استوطنوا بها بعد طول ترحال.
وفي سياق التعريف بهؤلاء الأعلام، والتنويه بمساهماتهم في العلوم الإسلامية هذه سلسلة مختصرة لسيرهم، تعرف بهم، وتزيل اللثام عن بعض محاسنهم وإنجازاتهم.
ومعلوم أنّ أشدّ ما يسيء إلى ذكرى العالم الرباني الذي سخّر علمه ووقته وجهده للدعوة إلى دين الله الحق، هو أن يضيع جهده بين الناس بمجرد موته، وأن يخمد ذكره ويتآكله النسيان.
ومن أقوم المناهج، وأحسن طرق التربية والتعليم، تتبع سير الصالحين، ونشرها بين الناس، تعريفا بفضلهم، ودعوة للاقتداء بهم، فإنّ لذكر الصالحين حلاوة في القلوب لا مثيل لها.
وأفضل الصالحين، وأحقهم بأن تنشر مزاياهم، ويهتف بكراماتهم، وتردد أقوالهم من كان منهم بالسنة النبوية معتصما، على طريق السلف الصالح سائرا، وبفهمهم للدين متقيدا، ومن أجل هؤلاء ببلاد المغرب شيخ العارفين، وإمام العابدين في عصره أبو مدين ـ رحمه الله ـ فقد كان على جانب كبير من المعرفة، اتّسمت طريقته بالاعتماد على العلم تعلما وتعليما.
مولد الشيخ وبداية طلبه العلم:
هو أبو مدين شعيب بن حسين الأنصاري، أصله من قطنيانة [CANTILLANA]، حصن صغير في الشمال الشرقي من أشبيلية [Séville]
غادر الأندلس فارا من إخوته الذين استغلوا يتمه ليجبروه على رعي مواشيهم، وقصد العدوة طلبا للعلم، لأنه كان يتألم إن رأى الناس يصلون وهو لا يعرف كيف يصلي.
وكان أميا في منتصف العقد الثاني من عمره عندما عبر إلى طنجة، ثم ذهب إلى سبتة حيث عمل أجيرا للصيادين، ثم انتقل إلى مراكش صحبة جماعة من أهل الأندلس إلاّ أنّه وقع في مكرهم، فقد أدخلوه معهم في جملة الأجناد، وكانوا يأكلون عطاءه.
وفي مراكش قوت رغبته في العلم، فنصحه بعض الناس أنه إن كان يريد التفرغ للعلم فعليه بالانتقال إلى فاس(1) ، يقول أبو مدين:" فسرت حتى وصلت البحر، ووجدت خيمة فيها ناس، فخرج إلي منها شيخ، فسألني عن أمري فأخبرته، فجلست عنده، فإذا جعت رمى بخيط في طرفه مسمار فأخذ حوتا ويطعمه لي مشويا، ثم قال لي: انصرف إلى الحاضرة حتى تتعلم العلم فإنّ الله تعالى لا يعبد إلاّ بالعلم".
قال الشيخ أبومدين عن أول أمره بفاس:"سرت إليها ولازمت جامعها، ورغبت من علمني أحكام الوضوء و الصلاة، ثم سألت عن مجالس العلماء،فسرت إليها مجلسا بعد مجلس، و أنا لا يثبت في قلبي شيء مما أسمعه من المدرسين إلى أن جلست إلى شيخ كلما تكلم بكلام ثبت في قلبي و حفظته".
هذا الشيخ هو أبو الحسن علي بن إسماعيل بن محمد بن عبد الله بن حرزهم، وقد سأله الشيخ أبو مدين عن السر في ذلك، فقال له:" هم يتكلمون بأطراف ألسنتهم، فلا يتجاوز كلامهم الآذان، و أنا قصدت الله بكلامي فخرج من القلب".
لازم أبو مدين شيخه ابن حرزهم2 {حرازم بالعامية}مدة كان يشتغل فيها في أوقات فراغه مع النسّاخين ليحصل على قوته، بينما يقضي ليله في المراجعة و العبادة.
قال الشيخ أبو مدين:" سمعت رعاية المحاسبي عن أبي الحسن بن حرزهم".
ومن شيوخ أبي مدين بفاس الفقيه المجاهد أبو الحسن بن غالب المتوفى سنة 592 هـ قرأ عليه أبو مدين كتاب السنن لأبي عيسى الترمذي.
ومنهم الشيخ أبو عبد الله الدقاق السجلماسي الأصل المدفون بمقبرة باب الجيسة
كذلك أخذ الشيخ أبو مدين عن أبي يعزى يلنور بن ميمون {438/572} دفين جبل أيروجان قرب قرية تاغية، الذي لم يكن يتقن التكلم باللغة العربية، ولم يحضر حلق علماء القرويين وإنما أخذ عن الشيخ أبي شعيب السارية مؤسس رباط أزمور، قال عنه أبو مدين:" طالعت أخبار الصالحين من زمن اويس القرني إلى زماننا فما رأيت أعجب من أبي يعزى، وطالعت كتب التذكير فما رأيت كالإحياء للغزالي".
وقد امتحن أبو يعزى أبا مدين مرات، تارة بالإعراض عنه، وتارة باستبار صبره على الجوع، وتارة بإرساله إلى أماكن موحشة.
ولما اشتاقت نفس أبي مدين إلى الرحلة، وبالضبط لأداء مناسك الحج استأذن شيخه أبا يعزى فأذن له، وفي عرفة تعرف بالشيخ عبد القادر الجيلاني، والمرجح أن ذلك كان فيما بين 550 و555هـ ، فقرأ عليه بالحرم، وكان أبومدين يعده أفضل مشايخه الأكابر " شجرة النور الزكية"
وقد ذكر المقري في" النفح" أن أبا مدين كان يؤثر بعد عودته من المشرق العزلة للعبادة، والتأمل، قال مبينا عن نفسه ذلك: قال لي بعض الأولياء: رأيت في النوم قائلا يقول: قل لابن مدين بث العلم ولا تبال ترتع غدا مع العوالي، فإنك في مقام آدم أبي الذراري، فقلت له: كنت عزمت على الخروج للجبال والفيافي حتى أبعد عن العمران، ورؤياك هذه تعدل بي عن هذا العزم وتأمرني بالجلوس، فقولك:"ترتع مع العوالي" إشارة لحديث حلق الذكر مراتع أهل الجنة، و" العوالي" أصحاب عليين، ومعنى قوله "أبي الذراري" أن آدم أعطي قوة النكاح وأمر به، ولم يجعل له قوة على كون ذريته مطيعين مؤمنين، وكذا نحن أعطانا الله العلم وأمرنا ببثه وتعليمه، ولا قدرة لنا على كون أتباعنا موفقين".
ومن المرجح أنه اتخذ هذا القرار وهو بالجزائر المغرب الأوسط آنذاك، وبالضبط عند عروس البحر عاصمة الحمادين بجاية3، وقد قال عنها:" معينة على طلب الحلال".
مكث أبو مدين ببجاية أكثر من خمسة عشر سنة، و فيها تزوج بجارية حبشية، وأنجب منها ولدا، قال الشعراني في " الطبقات الكبرى"{156/1}:"وولده مدين هو المدفون بمصر بجامع الشيخ عبد القادر الدشطوطي، ببركة القرع، خارج السور، مما يلي شرقي مصر، عليه قبة عظيمة، وقبره يزار."
وفي بجاية قرأ عليه الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن حماد الصنهاجي القلعي سنة 581هـ كتاب " المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى" ولما قيد كلامه في الشرح في اليوم الأول، قال له الشيخ في اليوم الثاني :" لا أريد أن تقيد عني شيئا مما أقوله في هذا الكتاب" ـ" أنس الفقير"{92}.
ونقل صاحب " عنوان الدراية"{ص:73} كلاما لأبي بكر بن العربي مفاده أنّ الشيخ الحافظ زين العلماء ورأس المحدثين أبا عبد الحق عبد الرحمان الإشبيلي4 كان آخى أبا مدين في بجاية وكان يأتي إلى حلقته و بيته هو والشيخ أبو علي المسلي".
كما أنّ الشيخ أبا مدين درس بمدينة بجاية "الرسالة القشيرية" لأبي القاسم عبد الكريم القشيري.
تلامذة الشيخ أبي مدين:
ومن تلاميذ الشيخ أبي مدين المشهورين عبد الرزاق الجز ولي دفين الإسكندرية،قال ابن قنفذ في" الوافيات"{10/1}:" وهو من أشياخ الشيخ سيدي أبي محمد عبد العزيز المهدوي وأبي البقاء عبد الله".
قال اليافعي في"مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان"{121/3}: وتخرج به جماعة من أكابر المشايخ الأصفياء، مثل الشيخ أبي محمد عبد الرحيم القنادي، والشيخ أبي عبد الله القرشي، والشيخ أبي محمد عبدالله الفارسي، والشيخ أبي محمد صاحب الدكالي، والشيخ أبي غانم سالم، والشيخ أبي علي واضح، والشيخ أبي الصبر أيوب المكناسي، والشيخ أبي محمد عبد الواحد، والشيخ أبي الربيع المظفري، والشيخ أبي زيدين هبة الله وغيرهم من العلماء. وتلمذ له خلق كثير من أهل الطريق، وقال بارادته جم غفير من أصحاب الأحوال، وانتهى إليه عالم عظيم من الصلحاء وتأدب بين يديه المشايخ والعلماء".
ومن تلاميذ الشيخ أبي مدين المرموقين جعفر بن سيدبونة الخزاعي، ذكره لسان الدين بن الخطيب في"الإحاطة في أخبار غرناطة"{113/1}وقال عنه:"
كان أحد الأعلام المنقطعي القرين في طريق كتاب الله، وأولى الهداية الحقة، فذ، شهير، شائع الخلة، كثير الأتباع، بعيد الصيت، توجب حقه حتى الأمم الداينة بغير دين الإسلام، عند التغلب على قرية، مدفنه بما يقضي منه بالعجب، قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير عند ذكره في الصلة: أحد أعلام المشاهير فضلاً وصلاحاً، قرأ ببلنسية، وكان يحفظ نصف المدونة وأقرأها، ويؤثر الحديث والتفسير والفقه، على غير ذلك من العلوم.
أخذ القراءات السبع عن المقرئ أبي الحسن بن هذيل، وأبي الحسن بن النعمة، ورحل إلى المشرق، فلقي في رحلته جلة، أشهرهم وأكبرهم في باب الزهد وأنواع سنى الأحوال، ورفيع المقامات، الشيخ الجليل، الولي الصالح، العارف، أبو مدين شعيب بن الحسين المقيم ببجاية، صحبه وانتفع به، ورجع من عنده بعجايب دينية، ورفيع أحوال إيمانية، وغلبت عليه العبادة، فشهر بها حتى رحل إليه الناس للتبرك بدعائه، والتيمن برؤيته ولقائه، فظهرت بركته على القليل والكثير منهم، وارتوى زلالا من ذلك العذب النمير، وحظه من العلم مع عمله الجليل موفور، وعلمه نورٌ على نور. لقيت قريبه الشيخ أبا تمام غالب بن حسين بن سيدبونة حين ورد غرناطة، فكان يحدث عنه بعجائب."
ومن أكابر تلميذ الشيخ أبي مدين عبد السلام بن مشيش شيخ العارف الصالح أبي الحسن الشاذلي ـ رحمهم الله أجمعين.
وفاة الشيخ أبي مدين:
ولما اشتهر الشيخ أبو مدين، وكثر رواده و طلبته، وشى به بعض الحاقدين عند يعقوب المنصور الموحدي بعد أن اتهموه بالزندقة، و قالوا:" أنا نخاف منه على دولتكم،فإن له شبها بالإمام المهدي، و أتباعه كثيرون في كل بلد" فبعث إليه السلطان ليختبره، و كتب لصاحب بجاية بالوصية و الاعتناء بحمله، فشق ذلك على أصحاب الشيخ،حتى قال لهم:" إن منيتي قربت، و لغير هذا المكان قدرت، فبعث الله من يحملني إليه برفق، وأنا لا أرى السلطان ولا يراني".
فارتحل به موكب السلطان إلى أن وصل مدينة تلمسان، في ضواحي منطقة " العباد" فقال لأصحابه :" ما أصلحه للرقاد"، ومرض مرض موته، فتوفى هناك سنة 594 هـ وحمل إلى العباد و دفن فيه رحمه الله .
قال الصفدي في " الوافي بالوفيات"{207/5}:" ، كان آخر كلامه: الله الحي، ثم فاضت نفسه؛ توفي نحو التسعين وخمسمائة."
الخلاصة:
أقام الشيخ أبو مدين طريقته على أسس قوية منها أن الشيخ الحقيقي هو الذي يربي تلامذته تربية أساسها القرآن و السنة،وكان مهتما بعلم التوحيد و الفقه ، قال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى"{488/3}:"قال الشيخ أبو مدين رحمه الله : أشرف العلوم علم التوحيد، وأنفع العلم أحكام العبيد"5.
وأن التوكل لابد أن يبنى على السعي الملائم و العمل الصالح، ويستخلص من سيرته أنه صاحب دعا لله.
ومن أقواله المشهورة:
ـ من لم يجد في قلبه زاجرا فهو خراب.
ـ من عرف نفسه لم يغتر بثناء الناس عليه.
ـ المروءة موافقة الإخوان فيما لا يحظره العلم عليك.
ـ احذر صحبة المبتدعة اتقاء على دينك، و احذر صحبة النساء اتقاء على إيمان قلبك.
ـ أبناء الدنيا يخدمهم العبيد و الإماء، و أبناء الآخرة يخدمهم الأحرار و الكرماء.
ـ بفساد العامة تظهر ولاة الجور، و بفساد الخاصة تظهر دجاجلة الدين المفتاتون.
ـ سنة الله استدعاء العباد لطاعته بسعة الأرزاق ودوام المعافاة ليرجعوا إليه بنعمته، فإن لم يفعلوا ابتلاهم بالسراء والضراء لعلهم يرجعون، لأن مراده عز وجل رجوع العباد إليه طوعاً وكراهاً.
ـ انكسار العاصي خير من صولة المطيع.
ـ من لم يمت لم ير الحق.
ـ لا يكون المريد مريداً حتى يجد في القرآن كل ما يريد.
ـ أغنى الأغنياء من أبدى له الحق حقيقة من حقه، وأفقر الفقراء من ستر الحق حقه عنه.
ـ إذا ظهر الحق لم يبق معه غيره.
ـ ليس للقلب سوى وجهة واحدة، فإلى أي جهة توجه حجب عن غيرها، وإذا سكن الخوف القلب أورثه المراقبة.
ـ من تحقق بالعبودية نظر أفعاله بعين الرياء، وأحواله بعين الدعوى، وأقواله بعين الافتراء.
ـ ما وصل إلى صريح الحرية من عليه من نفسه بقية
ومن شعره:
يا من علا فرأى ما في الغيوب وما ... تحت الثرى، وظلام الليل منسدل
أنت الغياث لمن ضــاقت مذاهبه ... أنت الدليل لمن حـارت به الحيل
إنا قصدناك والآمـال واثــــقة ... والكل يدعوك ملهـوف ومبتهل
فإن عفوت فذو فضل وذو كــرم ... وإن سطوت فأنت الحـاكم العــدل
قلت : إضافة إلى شهرة الشيخ في الآفاق عند أهل العلم و المعرفة، فإنا نستشف من كلاماته هذه التي تعبر عن طريقته في علم السلوك، أنه كان صاحب سنة ينفر من البدعة والمبتدعة، وقد أشاد بعلو مرتبته عند الأشياخ، وباستقامة طريقته ومنهجه شيخ الإسلام ابن تيمية، وحسبك بشيخ الإسلام حكما عدلا، ومنصفا عارفا فيما يحكم،فذكره في مواضع من كتبه مستشهدا به، قال ابن تيمية في " المجموع"{197/1}:"مشايخ الإسلام وأئمة الهدى الذين جعل الله لهم لسان صدق في الأمة مثل سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والأوزاعي وإبراهيم بن أدهم وسفيان الثوري والفضيل بن عياض ومعروف الكرخي والشافعي وأبي سليمان وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وعبد الله بن المبارك وشقيق البلخي ومن لا يحصى كثرة . إلى مثل المتأخرين : مثل الجنيد بن محمد القواريري وسهل بن عبد الله التستري وعمر بن عثمان المكي ومن بعدهم - إلى أبي طالب المكي إلى مثل الشيخ عبد القادر الجيلالي والشيخ عدي والشيخ أبي البيان والشيخ أبي مدين والشيخ عقيل والشيخ أبي الوفاء والشيخ رسلان والشيخ عبد الرحيم والشيخ عبد الله اليونيني والشيخ القرشي وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من الأولين والآخرين".
{293/1}:" وهذا هو سماع المؤمنين وسلف الأمة وأكابر المشايخ كمعروف الكرخي والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ونحوهم . وهو سماع المشايخ المتأخرين الأكابر كالشيخ عبد القادر والشيخ عدي بن مسافر والشيخ أبي مدين وغيرهم من المشايخ - رحمهم الله –"
وقال أيضا{48/3}:"وكذلك أكابر الشيوخ المتأخرين مثل : الشيخ عبد القادر والشيخ عدي والشيخ أبي مدين والشيخ أبي البيان وغير هؤلاء ، فإنهم لم يحضروا " السماع البدعي " بل كانوا يحضرون " السماع الشرعي " سماع الأنبياء وأتباعهم كسماع القرآن . والله أعلم ."
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء"{219/21}:"
قال محيي الدين بن العربي: كان أبو مدين سلطان الوارثين، وكان جمال الحفاظ عبد الحق الازدي قد آخاه ببجاية، فإذا دخل عليه، ويرى ما أيده الله به ظاهرا وباطنا، يجد في نفسه حالة سنية لم يكن يجدها قبل حضور مجلس أبي مدين، فيقول عند ذلك: هذا وارث الحق.
قال محيي الدين: كان أبو مدين يقول: من علامات صدق المريد في بدايته انقطاعه عن الخلق، وفراره، ومن علامات صدق فراره عنهم وجوده للحق، ومن علامات صدق وجوده للحق رجوعه إلى الخلق، فأما قول أبي سليمان الداراني (لو وصلوا ما رجعوا) فليس بمناقض لقول أبي مدين، فإن أبا مدين عنى رجوعهم إلى إرشاد الخلق، والله أعلم."
هذه كانت نبذة موجزة من حياة وسيرة الشيخ العارف الرباني أبي مدين رحمه الله وألحقنا بهم صالحين بسنة المصطفى متأسّين آمين.
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرزيو، الجزائر، في2009-02-12
مختار طيــباوي
الهامش:
------------------
1ـ لقد كانت مدينة فاس في ذاك الوقت كما قال لسان الدين بن الخطيب:
بلد أعارته الحمامة طوقها *** وكساه ريش جناحه الطاووس
فكأنما الأنهار فيها مـدامة *** وكأن ساحات الديار كؤوس
وقال القاضي المزدغى:
يا فاس حيا الله أرضك من ثرى *** و سقاك من صوب الغمام المسبل
وبجامع القرويين شرف ذكـره *** انـس بذكــراه يهيـج تململي
وبصحنه زمن الصيف عجائب *** فمع العـشى الغرب فيه استقبل
قال صاحب "الأنيس المطرب بروض القرطاس:" بلغت مدينة فاس في أيام المرابطين و أيام الموحدين من بعدهم من العمارة و الغبطة و الرفاهية و الدعة ما لم تبلغه مدينة من مدن المغرب".
2- كان الشيخ علي بن حرزهم زاهدا في الدنيا سالكا في التصوف الذي أخذه عن عمه أبي محمد صالح بن حرزهم، وعن أبي الفضل يوسف بن محمد الحمادي ابن النحوي، وهم ممن اعتنوا بكتاب الغزالي"إحياء علوم الدين" وروجوا له بالمغرب.
وقد كان لأبي الحسن مواقف مشرفة عندما كان بمراكش منها انه وقف في وجه الأمير اللمتوني علي بن يوسف عندما أمر بقتل الفقيه الصوفي أبي الحكم عبد الرحمان بن برجان و إلقاء جثته فوق مزبلة استنكر فعله على رؤوس الملا وخطب في الناس و أمرهم بالاهتمام بجنازة القتيل و أن يواروه في مقبرة المسلمين.
3- وصف العلماء و الرحالة ما كانت عليه بجاية في القرن السادس من نشاط تجاري و علمي كبيرين :"كان الناس على اجتهاد و كان الأمراء لأهل العلم على ما يليق ويراد""عنوان الدراية ً:85".
4- كان قاضي بجاية بعد سنة 550 ه ـ وتوفى بها بعد محنة نالته من الولاة سنة 581 هـ نترجمه لاحقا في هذه السلسلة.
5- من كتب الشيخ :" مفاتيح الغيب لإزالة الريب و ستر العيب" {92 ورقة}موجود في شستربتي تحت رقم3259 ذكره الزر كلي في "الأعلام"{166/3}.
كذلك له "انس الوحيد ونزهة المريد في علم التوحيد"، والحكم،مخطوط
غادر الأندلس فارا من إخوته الذين استغلوا يتمه ليجبروه على رعي مواشيهم،وقصد العدوة طلبا للعلم ،لأنه كان يتألم إن رأى الناس يصلون وهو لا يعرف كيف يصلي.
و سبحانك اللهم و بحمدك و سلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين .
عدل سابقا من قبل Admin في الخميس يناير 08, 2015 11:18 am عدل 2 مرات