بإسم الله الراحم الرحمان تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ . إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ . نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقصَصِ بِهَذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الْغَافِلِينَ . إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ سَاجِدِينَ لله ( سجدة ) . قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا . وَ كَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ تَأْوِيل الْأَحَادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَ إِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ . إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُو لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَ تَكُونُوا بعد ذلك صَالِحِينَ . قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ المارةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَ إِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ . أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَلْعَبْ وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَ أَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ . قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذن لَخَاسِرُونَ . فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي الْجُبِّ وَ أَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أن لَا تُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَ هُمْ لَا يَشْعُرُونَ . وَ جَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ . قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَ تَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَ إنا لصَادِقونَ . وَ جَعلوا عَلَى قَمِيصِهِ دما قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ . وَ جَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَ أَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ . وَ باعوه بدَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَ كَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ . وَ قَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِيه عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَ كَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ تَأْوِيل الْأَحَادِيثِ وَ اللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . وَ لَمَّا بَلَغَ رشدَهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَ عِلْمًا وَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . وَ رَاوَدَتْهُ التي هو في بيتها عَنْ نَفْسِهِ وَ اسْتَبَقَا الْبَابَ وَ أَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَ شَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ قُدَّ قَمِيصُهُ مِنْ قُبُله فقد صَدَقَتْ وَ هُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَ إِنْ قُدَّ قَمِيصُهُ مِنْ دُبُره فَقد كَذَبَتْ وَ هُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ . فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُره قَالَ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ . وَ قَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَة الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَ آتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَ قَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَ قُلْنَ مَا هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ . قَالَتْ فَذَلِك الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَ لَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَى وَ لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَ لَيَكُونن مِنَ الصَّاغِرِينَ . قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِن لم تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُو إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ . فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . ثُمَّ بَدَا لَهُمْ بَعْدمَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ . وَ دَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي رأيت أَنِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَ قَالَ الْآخَرُ إِنِّي رأيت أَنِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطيورُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِك مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ هُمْ كَافِرُونَ . وَ اتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَ عَلَى النَّاسِ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ . يَا صَاحِبَايِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ . مَا تَعْبُدُونَ إِلَّا أَصناما سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَ آبَاؤُكُمْ و إِن الْحُكْم لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَا صَاحِبَايِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَ أَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطيورُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ . وَ قَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ . وَ قَالَ الْمَلِكُ إِنِّي رأيت سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَ سَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ . قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَ مَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ . وَ قَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَ ادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ . يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَ سَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَ أُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ . قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَدعوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ . ثُمَّ يَأْتِي بَعْد ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ . ثُمَّ يَأْتِي بَعْد ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ . وَ قَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَه قَالَ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّواتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ . قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَة الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَ مَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِنَّ رَبِّي راحم غَفُورٌ . وَ قَالَ له الْمَلِكُ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ . قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ . وَ كَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَ لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . وَ جَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَ هُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ . وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَ لَا تَقْرَبُونِي . قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَ إِنَّا لَفَاعِلُونَ . وَ قَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ . فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا وَ إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ . قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ قَبْله فَاللَّهُ هو الحفيظ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . وَ لَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَ سنَحْفَظُ أَخَانَا وَ نَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ . قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ . فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالوا إن اللَّه عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ . وَ قَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَ مَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شيئا إِن الْحُكْم لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ عَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤمنونَ . وَ لَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ شيئا إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَ إِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . وَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ . قَالُوا وَ مَاذَا تَفْقِدُونَ . قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ مَا كُنَّا سَارِقِينَ . قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ . قَالُوا مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ . فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ إِلَّا أَنْ شَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ . قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ . قَالَ لنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذن لَظَالِمُونَ . فَلَمَّا يئسُوا مِنْهُ قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَ هُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ . ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَ مَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَ مَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ . وَ اسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَ إِنَّا لَصَادِقُونَ . قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . وَ تَوَلَّى عَنْهُمْ وَ قَالَ يَا أَسَفَاه عَلَى يُوسُفَ حتى ابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ . قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ . قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو حُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ وَ لَا تَيْأَسُوا إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَحمة اللَّهِ إِلَّا الْكَافِرُونَ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا الضُّرُّ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ . قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ . قَالُوا إِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَ هَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يضاعف أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ . قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَ إِنْ كُنَّا خَاطِئِينَ . قَالَ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ . اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ . وَ لَمَّا وصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ . قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ . فَلَمَّا جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ . قَالُوا يَا أَبَانَا اغْفِرْ لَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ . قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الراحم الْغَفُورُ . فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَ قَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ . وَ رَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَ سجدوا لله . ( سجدة ) وَ قَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ . رَبِّي قَدْ آتَيْتَنِي الْمُلْك وَ عَلَّمْتَنِي تَأْوِيل الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاء وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَ أَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ . ذَلِكَ ما أوحينا إليك مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ وَ مَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ . وَ مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ . وَ كَم مِنْ آيَةٍ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَ هُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ . قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى عبادة اللَّهِ اَنَا وَمَنِ اِ۪تَّبَعَنِے وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَ مَا أَرْسَلْنَا قَبْلكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ حَتَّى إِذَا يئسوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُنجِّي مَنْ نَشَاءُ وَ لَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْمُجْرِمِينَ . لَقَدْ كَانَ فِي قصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَ لَكِنه رَحْمَة للمؤمنين .
عدل سابقا من قبل Admin في الأربعاء مايو 19, 2021 6:26 am عدل 3 مرات